نبذة عن التراث الِشعبي في اليمن

الوطني – ثقافة وفن
بفلم د / عبد الرحمن الصلاحي
التراث الشعبي هو ما تتداوله الأجيال والشعوب ممن سبقوهم، ويشمل ذلك العادات والتقاليد، والفنون والآداب، والأدوات والوسائل التي يستعملونها في حياتهم.
وقد صار التراث الشعبي يحمل دلالات متعددة، تهتم به الشعوب وتفاخر به كهوية وتاريخ وجسور تواصل بين الماضي والحاضر.
والتراث الشعبي بهذا المفهوم يتناول التراث المادي والتراث الثقافي:
فالتراث المادي يتناول الموروثات التي دخلت نطاق المتاحف، سواء كانت المتاحف الأثرية أو المتاحف الطبيعية بمعناها الشامل.
والتراث الثقافي يتناول كل مجالات الفنون والآداب القديمة، ومختلف فروع الثقافة، وما يتعلق بها من عادات وممارسات وفنون كالغناء والرقص والألعاب والتطبيب… وما إلى ذلك.
وهذا هما الفرعان الأساسيان القديمان، ولحقتهما فروع أخرى جديدة نتيجة التطور اللاحق للبشرية وللمجتمعات. “1”
ويعتبر التراث الشعبي مرآة عاكسة للوضع الثقافي والاجتماعي وتطوره في الزمان والمكان عبر العصور المتعاقبة، والأنواع المتعددة للتراث الشعبي اليمني من عادات وتقاليد ومعتقدات و شعر وغناء وحكم وأمثال وحكايات وغيرها كثير؛ بقيت رمزاً للمراحل المتعاقبة و التطور الذي مرت به اليمن، كما يعتبر صورة معبرة عن واقع المجتمع اليمني، ووسيلة لإشباع النواحي الروحية والفنية والمعرفية. “2”
القيم والعادات اليمنية:
أكثر العادات والتقاليد الشعبية اليمنية المتوارثة إيجابية ومقبولة، ولهذا ظلت باقية وعاشت مع الإنسان اليمني في أدوار حياته المختلفة، سواء في الداخل أو في المهجر، ففي مجال العمل كالزراعة والرعي لا زالت العادات والخبرات المتراكمة لها دورها، بل حتى الشعر والحداء الذي يترنم به العامل أثناء عمله ليسلي عن نفسه وينشطها.
وفي مجال اللباس لازالت الألبسة اليمنية تتوارثها الأجيال ويميز اليمني بين ما يلبسه للعمل وما يلبسه للمناسبات وما يلبسه في البيت، كما اعتاد على لبس أغطية خاصة للرأس تقيه حر الشمس أثناء عمله في المراعي والمزارع، كما اعتاد ألبسة خفيفة للحر وأخرى مناسبة للشتاء تقيه ضراوة البرد في الريف والمدن والمرتفعات وفي الحقول والصحاري.
أما عاداته في مأكله فقد حافظ الإنسان اليمني على أدوات مطبخه الخاصة به، فاعتاد أدوات الخزف، وعلى طرق الطبخ، ولا زال التنور الطيني المتوارث لصنع الخبز وغيره لا يكاد يخلو منه بيت رغم الوسائل الحديثة التي انتشرت، بل تم صنع أنواع حديثة منه من المعدن تناسب البيوت الحديثة في المدن ويعمل بالغاز بدلاً من الحطب.
العادات الخاصة بالمناسبات الاجتماعية:
الزواج: المناسبات الاجتماعية في اليمن كثيرة، وأهمها الزواج، والذي تختلف طقوسه من منطقة إلى أخرى في الأسماء لكنها موحدة الطرق في الغالب، ومن العادات المتبعة الابتداء بالمشاورة أو البحث أو العَسّ، ثم الخطبة ثم العقد فالزفاف، ولكلٍ منها احتفال ومراسم. ومن عادات الزفاف الغسل والحناء والدخلة والصُبْحية ثم السابع، فتقام ليلة الحناء الذي يرطب البشرة ويلطف الجسم، وهو أيضاً رمز لدفع الشر عن العروسين. وكل هذه طرق تنظم عملية الزواج منذ المراحل الأولى.
ومن العادات المتبعة إلى الآن أن الأبوين يختاران العروسة لولديهما وليس للعريس أن يرفض أو يعترض لكن تتم مشاورته. وفي الريف اليمني يتبعون عادات متشددة ، ففي بعض المناطق تخرج مجموعتان الأولى تكون لأهل العريس والأخرى لأهل العروسة، تلتقي المجموعتان وتتبارزان في إطلاق النار.. وفي الغالب ينتصر العريس الذي يقترب من هودج عريسته وهو على جمل ويمسك الجمل ويسير به نحو داره والمجموعتان خلفهم. “3”
الولادة: أيام الولادة من أيام السرور والأفراح وما يجري فيها من مراسم أفراح وعادات مسرة وبهجة، وهي عادات تمارس في أنحاء اليمن، وإلى يومنا هذا يمارس الأهل كل طقوس الولادة. “4”
وتلقى المرأة الحامل منذ الشهر السابع عناية خاصة، وفي كثير من الأحيان تنتقل المرأة من بيت زوجها إلى بيت أهلها خاصة إذا كان أول مولود لها، وتكثر من استعمال الأدوية الشعبية المحلية من الأعشاب والزيوت مثل زيت السمسم والحبة السوداء والورس والقرفة المطحونة، وكل هذا يساعد في عملية تقريب الولادة. “5”
وتقوم بعملية الولادة امرأة (القابلة) تلازم المرأة الحامل عند قرب الولادة، ويستمر الاحتفال بالمولود 40 يوماً، وفيها يتجمع الأهل والجيران من أهل الحي والقرية في بيت الولادة لتقديم التهاني والمباركة بالمولود، وتقدم الطرح (النقوط) وتوضع تحت رأس المولود. والوليمة الثانية تكون يوم السابع (يوم الختان)، وهو يوم التسمية للمولود، وتتم عند رجل متخصص يسمى (الختان)، وفي بعض البوادي يؤخرون الختان إلى سن الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة أو قبل الزواج. “6”
الوفاة والمآتم: وقت الوفاة يظهر التكاتف والتكافل العائلي والاجتماعي منذ اللحظات الأخيرة (الاحتضار)، حيث يتوافد الأهل والأقارب والجيران لزيارة الشخص والجلوس معه وتلقينه الشهادة، ويتعاون الجميع في إعداد مراسم الوفاة بدءاً بالتبليغ عن الوفاة والذهاب إلى مكان تجهيز القبر وحفره، ويقوم الجيران عادة بإعداد وجبات الطعام لأهل بيت المتوفى، الذي يستقبل الأهل والأقارب من مناطق قريبة وبعيدة، حيث يمكثون في منزل العزاء ثلاثة أيام. وقد يوصي المتوفى قبل وفاته سواء في إرث يتركه أو ممتلكات أخرى أو حتى يوصي بأن يدفن من قبل شخص معين. ومن العادات المتعارف عليها أن يتم الدفن أن يرى الأهل المتوفى لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، ثم يخرج المجنز (النعش) من المنزل فتصرخ النسوة وترتفع الأصوات عالياً وأحياناً يتم تمزيق الملابس تعبيراً عن القهر والحزن على الميت، ويُحمل على أعناق الرجال، ويتم تغطية النعش بالقماش وإذا كان من الفئة الغنية أو من علية القوم فإنهم يستعملون القماش الحرير الغالي الثمن أو القطن المنقوش عليه الآيات القرآنية والأحاديث. “7”
الأعياد والمناسبات الوطنية:
الاحتفالات والأعياد من أهم المظاهر الاجتماعية، وفي اليمن هناك الكثير من الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية. وأهم الأعياد في اليمن هو عيد الأضحى وعيد الفطر، حيث يبدأ الاستعداد لهما مبكراً وتستمر طقوس الاحتفال والحفاوة بهما أياماً عديدة.
ويستقبل الناس العيد بفرحة وسرور ويستعدون له مادياً ومعنوياً كلٌ حسب وضعه ودخله المالي؛ لتغطية نفقات هذه المناسبة من أصناف الطعام والحلويات وأهمها الزبيب واللوز اليمني وأصناف الكعك والعصائر التي تقدم للضيوف والزائرين، وكذلك شراء الملابس المختلفة، أما النساء فيستقبلن العيد بالحناء والنقوش وتفصيل وخياطة الثياب المناسبة، كما تتميز الأعياد بعبق العطور والبخور المصنع محلياً وتبخير الثياب والبيوت والمصليات.
ومن الأعياد التي كانت معتادة إلى وقت قريب وتكاد تتلاشى الآن: الاحتفال بتوديع واستقبال الحجاج بالطقوس والأناشيد الخاصة. ومنها الاحتفال بجمعة رجب والتي تعرف بـ(الرجبية) وتقام في جامع الجند إحياء لذكرى الصحابي معاذ بن جبل الذي قام ببنائه. “8”
أما المناسبات الأعياد الوطنية التي تقام في كل عام فأهمها ثلاثة أعياد: يوم 26 سبتمبر (1962م) يوم قيام الثورة على نظام الإمامة وإقامة النظام الجمهوري في شمال اليمن، ويوم 14 أكتوبر (1967م) يوم إعلان التحرر من الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن، ويوم 22مايو (1990م) وهو يوم تحقيق الوحدة اليمنية بين شمال اليمن وجنوبه.
ومن مواسم الأعياد الشعبية التي تلاشت بعد أن كانت تعم مناطق اليمن موسم “العلان” وهو وقت انصرام أيام الخريف وهطول الأمطار وابتداء بدو الثمار وقرب نضجها. “9”
الأمثال الشعبية:
الأمثال الشعبية كثيرة ومتنوعة، تجمع خبرات وخلاصة الفكر والحكمة، فالمثل هو القول المقتضب قليل اللفظ الذي يغني عن كلام ومعاني كثيرة، والمثل السائر في هذا يقول : “خير الكلام قليله وما طال فهو خُرطْ مُرطْ” أي كلام فارغ لا معنى له.
ومن الأمثال المتداولة : ما يحنُّ على المال إلا كاسبه، جمل يأكل وجمل يأكل العصار، صنعة في اليد أمان من الفقر، أعط الأرض تعطيك وعزها تعزك، لا تأمن الذيب ولو عرج لك رجله، ما ينقطع رزقه سوى من جدد أكفانه ومات، عديم الشعور من لا يستشير، ضياع الشور مفتاح الندم، ما يجبر الفرق جابر غير البقر والزراعة، ما رزق باقي لجالس إلا لأهل الدكاكين ومن قرأ في المدارس، باعمل على ثور زاحف ولا تكاليف الاصحاب. “10”
الأزياء الشعبية والتقليدية والزينة:
لا يزال الموروث الشعبي في الملابس والأزياء الشعبية يحتفظ بمكانته ورونقه ومكانته حتى الآن رغم تقدم الحياة وتطورها، وتتجلى صوره أكثر في الأرياف والقرى وفي المدن أيضاً؛ لأن الطابع الجمالي وإتقان صنعتها جعل منها كنزاً خالداً مدى الدهر.
والملابس النسائية الشعبية لها أنواع متعددة، فمنها الثوب الدوعني ويسمى (الدرع) وتلبسه نساء المناطق الداخلية ويلبس عليه حزام حضرمي، ويلبس في المناسبات كالأعراس والأفراح، وهو لباس نساء حضرموت. وكذلك هناك اللبس الصنعاني، ويتكون من فستان يسمى (الزنة) وعليها العصبة أو “المصر” والتي توضع على الرأس، وهو مزين بالحلي الفضية ويسمى الرش.
وهناك الثوب الشحري ويلبسه نساء المدن الساحلية نسبة إلى مدينة الشحر، وهو قصير من الأمام طويل من الخلف وعليه زخارف وتطريز، والرقبة على شكل العين، ويلبس أيام الزواج مع مروحة من سعف النخل، كما يلبس عليه حزام من الفضة صغير وخفيف.”11″
أما بالنسبة للأزياء الرجالية فأبرز شيء فيها هو (الجَمْبِيَـة) وهي الخنجر اليماني المعروف والتي تعود جذورها إلى العصر السبئي في القرن الثامن قبل الميلاد.
واسم “الجمبية” يشمل النصل والمقبض والجيب والغمد والحزام الذي تثبت به وملحقات هذا الحزام من قطع الزينة، والجمبية بأشكالها المختلفة جزء ملازم للباس التقليدي اليمني الذي تتعدد أشكاله وأنماطه بتعدد المناطق وبتفاوت الطبقات الاجتماعية، ففي عصر الإمامة كان هناك أنواع خاصة يقتصر اقتناؤه على طبقة الأمراء والقضاة ورجال الدولة.
أما من حيث القيمة والوجاهة فيعتمد على رأس النصل، فالذي يصنع من قرن وحيد القرن له خاصية فريدة يعرفها ذوو الخبرة ويطلبها أصحاب الوجاهة والثراء، وكلما كان قديماً كلما زادت قيمته، ويتلوه في القيمة المصنوع من قرن الغزال، وأدناها المصنوع من قرن المعز والماشية. أما ما يتم صناعته حديثاً من المواد الصناعية فهو أرخص الأنواع. “12”
وتلبس الجمبية في المناطق الجبلية مع الثوب والكوت “المعطف”، وفي المناطق الساحلية مع المعوز (الإزار المفتوح الجانبين)، وفي المناطق المتوسطة مع الفوطة (الإزار المغلق).
المراجع :
1- حسين سالم باصديق: في التراث الشعبي اليمني، إعداد وتوثيق ونشر: مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م، صـ 24.
2- حسين سالم باصديق: مرجع سابق، صـ347.
3- حسين سالم باصديق: مرجع سابق، صـ300-308.
4- محمد علي الأكوع: مرجع سابق، ج2 صـ151-152..
5- عبدالله سليمان الجعيدي: الأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية في حضرموت 1918-1945م، دار الثقافة العربية للنشر، جامعة عدن، الطبعة الأولى 2001م، صـ53.
6- إيمان ناجي سعيد: الحياة الاجتماعية في اليمن، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، الطبعة الأولى 2012م، صـ216-219.